مواضيع ذات صلة

الاحتفالية ،النظرية التي تغير الواقع ــ81 (الجزء الأول)

نستسمح شيخنا الدكتور عبد الكريم برشيد، أبدعت وكتب النصوص ووضعتنا أمام نظرية مسرحية لحيوية الحياة وأنسنة الإنسان، “الاحتفالية” والتي عرفتنا عن أنفسنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وأننا نحن الآن هنا، وحاضرت واختلفت وحوربت وكانت ردودك ترافعا عنا جميعا، ومع ذاك تواصل النبش لوحدك ممثلا لنا وتذكرنا بمسرح قريب منا فينا يمثلنا جميعا تراثا وعمرانا وتيمات.
في الحقيقة الدور دورنا، وسعداء بك بأستاذ لا ينسى طلبته وتلاميذته ويواصل الدرس، اليوم مع محطة 81، محطة الاحتفالية المستمرة في الزمان والمكان.

د. عبد الكريم برشيد

فاتحة الكلام :يقول ألبيرت إينشتاين ( إذا تعارضت النظرية مع الواقع فغيروا الواقع) مما يدل على النظرية تسبق الواقع، خصوصا عندما تجد النظرية من يحملها، ومن يكون في مستوى قوتها و خطورتها، ولقد سعينا نحن الاحتفاليين إلى تغيير الواقع، انطلاقا من النظرية الفكرية، وليس من الخواء، في حين ظل جزء كبير من النقد المسرحي المغربي والعربي يطالبنا، مرة بتغيير هذه النظرية، وفي أغلب المرات بالتخلي كليا عن هذا ( العبث) الذي تمثله كل النظريات، ولقد زاد الذين يزيدون في العلم، وطالبونا بالاعتذار عن اقتراف خطيئة النظر والتنظير.. والاعتذار لماذا؟ هل فقط لأننا اجتهدنا؟ وأن اجتهادنا يحتمل الصواب، كما يمكن أن يحتمل الخطأ؟ وهل لأننا قدمنا تصورا قديما ـ جديدا للعالم؟
وهل لأننا خالفنا في العالم العربي التيار الفكري العام، والذي كان تيارا قائما أساسا على الشعارات وعلى التحريض وعلى اتهام الآخرين بالرجعية و بالتحريف و بالتخوين وبالتكفير؟
وهل لأننا لم تكن نؤمن بالصراع الطبقي، كما يراه ماركس ومن معه، او بالصراع الطائفي كما يراه الطائفيون في العالم العربي، و أننا في مقابل كل ذلك كنا إنسانيين، وكنا متسامحين، ولم نؤمن بالعنف والانقلاب وبالثورة الدموية ولا بالصراع الطبقي، أو بصراع الأجيال، أو بأكذوبة حرب الحضارات، ولا بقتل الأب ولا بقتل الكاتب في عالم الكتابة؟
وهل لأننا فقط، رأينا هذا العالم، في تعدده و تنوعه و تكامله، بعين احتفالية مبصرة ومتبصرة، عين تتعايش فيها كل الألوان و الظلال والأشكال؛ عين عيدية واحتفالية تنشد الجمال، ومن اية جاء هذا الجمال، من الشرق ام من الغرب، ومن الشمال او من الجنوب، وهي فعلا تنشد هذا الجمال، في الناس وفي الأشياء وفي العلاقات وفي المؤسسات وفي الافكار وفي الاختيارات، وهي تعشقه لجماله وكاله وصدقه و مصداقيته ورتسعى اليه؟
وهل لأننا في هذه النظرة الاحتفالبة والعيديم ام نكن إيديولوجيين، ولم نكن عدميين، ولم نكن مدرسيين، ولم نكن ملحميين، ولم نكن فوضويين، ولم نكن عبثيين، ولم نكن مستغربين، ولم نكن مقلدين، ولم نكن مستلبين ولم تكن ظلاميبن؟ و بعكس كل ذلك، فقد كنا نحن، ولم نكن غيرنا، وتمسكنا بروحنا الشرقية، وأكدنا كثيرا على منبتنا الأفريقي، وعلى تعددنا اللغوي، وعلى أن احتفاليتنا هي جزء صغير جدا من احتفالية إنسانية وكونية كبرى.
وما صرحنا به في واسط السبعينات من القرن الماضي من أقوال، وما قدمناه من أفكار ومن اختيارات جريئة و حرة، وما كتبناه من كتابات في كتب او في بيانات، لم يكن أبدا شيئا بسيطا ولا سهلا، ربما لأنه جاء قبل زمنه، أو لأنه في جراته، قد شكل ثورة ناعمة على سياقه الفكري والسياسي والإيديولوجي العام، والذي كان سياقا تحكمه الإيديولوجيا، وتؤثثه الشعارات المثالية، وتقيم به الأفكار الطوباوية. ولقد أكدنا على الاحتفالية في زمن الحرب الباردة، اي على على فعل الاحتفال في زمن الهزيمة، وهل يصح الاحتفال في زمن الهزيمة؟
ولقد أكدنا على الحرية في زمن الاستبداد، إيمانا منا بان مطلب الحرية هو مطلب مطلق، وانه لا يشترط زمنا محددا، لأنه لا حياة كريمة بدون حرية، ولا فكر صادق بدون حرية، ولا فن جميل ونبيل بدون حرية، وإلى حدود هذا اليوم، فإننا مازلنا نؤكد على هذه الحرية العاقلة و المسؤولة
و الزمن العربي اليوم، مازال كما كان من قبل، زمنا عاطفيا وطائفيا مغلقا على نفسه، و مغلقا على أوهامه وعلى ( حقائقه)، ان كانت لديه فعلا حقائق، وبهذا فقد كنا دائما ضد الموسمية وضد الظرفية التي يمثلها صعود أو انهيار هذا التيار أو ذاك، او هذه الطائفة او تلك، او هذا الحزب الحاكم او ذاك، وفي هذا المعنى بقول الاحتفالي:
( الزمن غير احتفالي ونحن نطالب بالاحتفالية، ولو كانت موجودة ما طالبنا بها. الإنسان يطلب شيئا غير موجود. الاحتفالية الحقيقية هي أفق مثل قمر في السماء، مثل شمس، مثل شيء بعيد عنا، نبحث عنه، وكلما اقتربنا منه يبتعد عنا، فهذا الزمن غير احتفالي، زمن الآلة، زمن القمع، زمن الظلم، زمن الفوارق الطبقية، ونحن في الاحتفالية ندعو إلى الجمال، وإلى الحق، وإلى العدالة، وإلى الأخوة والمساواة والتسامح، وكل هذه الأشياء غائبة، ولكن ينبغي أن تكون، وينبغي أن نحققها، والفن يوجد الأشياء بالقوة، وهذا ما تسعى إليه الاحتفالية. هي ان تعرف أن هذا الزمن صعب، ولكنها تستمر، وتعرف أنها تسبح ضد التيار، ولكنها تسبح، وتعرف أن الواقع يريد فنا تجاريا، و تصر على أن يكون الفن جميلا و أصيلا و جادا، والواقع يطلب منا أن نركب الموجة العالية .. و الاحتفالية تسبح دائما ضد التيار، وبغير هذا ما كانت هي الاحتفالية)
حوار مع عبد الكريم برشيد ( الاحتفالية هي التعبير الحر للإنسان الحر في المجتمعات الحر،) عبد الحميد خليفة – مجلة (الحياة المسرحية) دمشق