مواضيع ذات صلة

المترجم د. نبيل الحفار، المسرح فنّ في المقام الأول ومن ثمّ لغة

أمينة عباس- دمشق

يُعدُّ المترجم السوري د. نبيل الحفار أحد أهم المترجمين من اللغة الألمانية إلى العربية، حيث بدأ في عام 1974 بترجمة نصوص مسرحية لبرتولد برشت وبيتر فايس وهاينر كيبهارت وشتفان هايم، وست مسرحيات ألمانية حديثة للفتيان عام 2013. يتقن اللغات اللاتينية والإنجليزية واليونانية القديمة والفنلندية والسويدية، ويُلمّ بالفرنسية. حصل في عام 1982 على جائزة الأخوين “غرين” للترجمة، وفي عام 2010 حصل على جائزة “غوتة” للترجمة أيضًا، واستلم الجائزة في معرض مدينة “لايبزغ” للكتاب، وهو أقدم معرض كتاب في العالم. كُرّم في سورية أربع مرات، كما نال جائزة الدولة التقديرية عن مجمل أعماله في الترجمة والبحوث والنقد لعام 2014.

الترجمة فنّ وأدب


ويشير الحفار إلى أن عملية الترجمة تطورت خلال عصرنا هذا لتصبح علمًا قائمًا بحد ذاته، له دراساته ونظرياته ومعاهده المتوسطة والعليا التي تؤهل طلابها وفق أحد المناهج اللغوية. ولذلك، فإن على المترجم المحترف – برأيه – أن يطّلع ما أمكن على منجزات هذا العلم كي يستكمل ويطوّر أدواته، وأن يتعمق في الميدان الذي يترجم عنه، كي لا يفقد العمل موضوع الترجمة شيئًا من قيمته وقدرته على التأثير، مؤكداً أن نظرية الترجمة تقول بوجود مستويات متعددة فيها، فهناك الحرفي الذي لا يُحبّذه د. الحفار عامة، لا في الشعر، ولا في النثر، ولا في المسرح، مع تأكيده على أنه يجب أن يكون المترجم أمينًا لفكر المؤلف.
أما على صعيد اللغة، فيشير إلى أن للّغة الألمانية قوانينها وهويتها، وكذلك للعربية، وهو عندما يترجم ينتقل من بنية إلى بنية، ومن مخزون لغوي إلى مخزون لغوي آخر، ومن هنا يحق له على هذين الصعيدين أن يتصرّف كمترجم. وهو إن قام بذلك، سيبقى أمينًا للمؤلف، ولو سُئل هذا المؤلف لأكّد أن ما يريده هو نقل خبرته إلى مجتمع آخر، وليس التمسك بحرفية لغته، وبالتالي، من يقرأ النصوص التي ترجمها هو، ستظهر له وكأنها مؤلّفة باللغة العربية، في حين أن نصوصًا أخرى لمترجمين آخرين تبدو مترجَمة منذ الوهلة الأولى لانعدام السلاسة في النص، وهذا لا يجوز في الترجمة برأيه، لأن الترجمة فنّ، وأدب، ويجب أن يهضم المترجم المؤلفَ هضمًا كاملًا، ومن ثمّ ينساه في لغته ليعيد إبداعه ثانية باللغة التي يتقنها.

المسرح من الألمانية إلى العربية


يرى د. الحفار أن جلّ ما تمّت ترجمته من الألمانية إلى العربية ينصبّ في مجال الشعر والمسرح، الذي كانت ترجمته – مقارنة مع الأجناس الأخرى – مرضية نوعًا ما: “المصريون، ومنذ الستينيات، اهتموا بهذا الجانب، وترجموا المسرح الألماني عن اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، لأن العارفين بالألمانية كانوا قلّة، وانتبهوا إلى أهمية هذا المسرح، والأسماء الكبيرة المبدعة فيه، ولا سيما في القرن العشرين، فقدموا ترجمات هامة من خلال روائع سلسلة “المسرح العالمي”، إلى جانب بعض المحاولات القليلة التي قُدِّمت في سورية، مع الإشارة إلى أن الترجمة في مجال المسرح تحتاج إلى معرفة خاصة بلغته وحواره، كما على المترجم أن يفكر دائمًا بالممثل الذي سينطق الجملة على خشبة المسرح، لتُفهَم بسهولة بمجرد سماعها دون مراجعة من قِبل المُشاهد الجالس في المسرح، دون أن يفكر بالجملة مرتين.. من هنا، يجب أن يحرص المترجم على أن تكون لغته سهلة، تدخل إلى عقل المشاهد مباشرة، لأن توقفه أثناء العرض عند جملة، أو كلمة غريبة، يشتت انتباهه عمّا سيرد لاحقًا. وهذا إن حصل، فهو خطأ كبير، ومن هنا يجب على المترجم المسرحي أن يفكر أولًا في العرض، ومن ثمّ في الترجمة الأدبية، ليستطيع التواصل مع المشاهد والتأثير فيه، لأن المسرح هو فنّ في المقام الأول، ومن ثمّ لغة”.

تأثير المسرح الألماني على المسرح العربي


مع تبلور الفكر القومي في المنطقة العربية، والبحث مسرحيًّا عمّن يحمل في أعماله بذور هذا الفكر القومي التحرري، كان فريدريش شيلر هو الضالة المنشودة حسب د. الحفار، وخاصة مسرحيته الشهيرة “ويليام تل” التي تُرجمت إلى العربية عشر مرات: “تعود أولاها إلى عام 1900، وعبرها تم التعرف إلى أعماله الأخرى، مثل “اللصوص” و”دسيسة وحسب” وغيرها، التي تمت ترجمتها إلى العربية غالبًا عن طريق الفرنسية، ونادرًا عن الألمانية، وقد لاقت عروض مسرحياته في القاهرة ودمشق وبيروت وبغداد صدىً جماهيريًّا واسعًا، أدى إلى تدخل سلطات الاحتلال الإنجليزية والفرنسية لمنع استمرارها، وخلال الثلاثينيات والأربعينيات، ظهرت أيضًا في المشرق العربي عدة مسرحيات متأثرة بشيلر، تستعيد أمجاد البطولات العربية في مواجهة الصليبيين الغزاة، وذلك في لغة حماسية تستنهض المشاعر القومية للعرب ضد الصليبيين الجدد. مع الاعتراف أن دور شيلر الفني الجمالي في تطوير الفن المسرحي في حد ذاته، لا أجد له صدىً واضحًا على صعيد التأليف المسرحي العربي فمنذ عام 1945، لم تقدّم المسارح العربية شرقًا وغربًا أي نص له، وعلى الرغم من ذلك، لا بد من القول بأن التعرف إلى شيلر قد شكّل إلى حدٍّ ما بوابة واسعة للاطلاع على أعمال عدد آخر من المسرحيين الألمان، ومن أهمهم غوته، التي تُرجمت روايته “آلام فرتر” خمس مرات إلى العربية، وكانت المعبر للولوج إلى عوالم غوته الواسعة، فترجمت له في فترة لاحقة إلى العربية عدة مسرحيات أخرى في مصر وسورية، لكن مسرحيته الكوميدية “الشركاء”، المتأثرة بموليير، هي العمل الوحيد الذي قُدّم على خشبة المسرح العربي، وتحديدًا في دمشق، أما بالنسبة لـ”فاوست”، فقد لجأ إليها سعد الله ونوس في مسرحيته السردية “ملحمة السراب”.


في مرحلة الستينيات، وعندما كان المجتمع العربي يعيش حالة فوران قومي وثقافي، والتيارات السياسية المختلفة تتصارع على السطح وفي عمق المجتمع، انعكس ذلك كما يقول الحفار بجلاء على حركة الترجمة، وعلى النشاط المسرحي عامة، الذي كان يتبنى كل ما هو جديد في العالم دون سياسة ثقافية واضحة فما إن راجت عروض المسرح الوجودي ومسرح العبث في فرنسا، حتى تلقفته المسارح العربية بالترجمة والدراسة والعروض. وهكذا كان الأمر بالنسبة لتيار الواقعية الاشتراكية، وإذا كان بيكيت ويونسكو، مثلًا، قد دخلا الثقافة العربية من أوسع أبوابها، فإن بريشت ودورنمات قد دخلاها في البداية على خجل ومن أضيق أبوابها.
وهكذا كان الأمر أيضًا بالنسبة لترجمة بعض مسرحيات لسينغ وكلايست وبوشنر وهاوبتمان وفريش، التي نُشرت في سلسلة المسرح المصرية ذائعة الصيت فلاقت، خلال الستينيات والسبعينيات، بعض المسرحيات الألمانية رواجًا ملفتًا على خشبات المسارح العربية شرقًا وغربًا، منها مثلًا مسرحية هاينريش فون كلايست “الجرة المحطمة”، التي قُدّمت بنصها الأصلي وباقتباسات متعددة، كان آخرها تحت عنوان “قاضي وادي الزيتون” بإخراج المخرج السوري حسين إدلبي، في حين أن مسرحيته المترجمة الثانية والأكثر أهمية على المستوى الفكري والجمالي “أمير هومبورغ”، لم يلتفت إليها أحد، تمامًا كما جرى مع جميع مسرحيات بوشنر وفريش على نقيض ما جرى لبعض مسرحيات دورنمات، مثل “زيارة السيدة العجوز” و”هبط الملاك في بابل” و”النيزك” و”علماء الطبيعة”، التي تُمثّل أرقى ما وصلت إليه التراجيكوميديا في المسرح العالمي، والمؤسف أن هذه الترجمات وعروضها لم تجد أثرًا يُذكر على صعيد التأليف المسرحي العربي في الوقت الذي كانت فيه مسرحيات بيتر فايس الوثائقية مثل “حوار حول فيتنام” و”أنشودة غول لوزيتانيا”، قد أثّرت في أسلوب كتابة المصري ألفرد فرج في “النار والزيتون”، والسوري محمد أبو معتوق في “الفلسطينيون”، أما مسرحيته المبكرة “موكينبوت”، فقد عُرضت عدة مرات على المسارح السورية، ثم أعادها سعد الله ونوس بعنوان “رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة”، التي حصدت عدة جوائز في المهرجانات المسرحية، ويمكنني القول إن نتاج سعد الله ونوس المسرحي خلال السبعينيات، والذي يضم “الفيل يا ملك الزمان” و”سهرة مع أبي خليل القباني” و”مغامرة رأس المملوك جابر” و”الملك هو الملك”، لا يمكن أن يُفهم إلا من حيث اقترابه وتأثره بنظرية المسرح السردي الملحمي لدى بريشت.

ترجمة مسرح الفتيان


يؤمن د. الحفار، وهو الذي ترجم مسرحيات للفتيان، أن كل فئة عمرية لها خصوصية من حيث المستوى الثقافي، واللغة التي سيُخاطب بها المترجم هذه الفئة العمرية: “فلا يمكنه أن يستخدم لغة عالية المستوى حين يتوجه للأطفال والفتيان، كما يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مناهجهم التعليمية، وإلى أين وصل مستواهم اللغوي، وما هي المفردات، والمصطلحات المتعارف عليها في المناهج التعليمية، وفي الوقت ذاته، يجب أن يكون المترجم طموحًا ليقدم لهم شيئًا جديدًا في المسرح، ولكن دون أن يكون عسيرًا، ليحفّزهم على المتابعة، مع ضرورة أن يكون على معرفة بالناحية النفسية لهذه الفئة العمرية، والخلفية الاجتماعية، لتكون الموضوعات التي سيطرحها المترجم قريبة من هذه الفئة، وخصوصيتها في بلدانها، ولذلك استهلكت عامًا كاملًا في انتقاء المسرحيات الصادرة له عن الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة، والتي يتوجّه بها للفتيان، من بين مجموعة كبيرة من المسرحيات التي وفّرتها له معاهد غوته في دمشق، والقاهرة، والإسكندرية، لينتقي ما يراه مناسبًا للفتى العربي بشكل عام، والسوري بشكل خاص، مع الأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المتوافرة أمام الفتى العربي، كتعامله مع الكومبيوتر، والأقراص المدمجة، التي دخلت إلى مجتمعنا، بحيث بات فتياننا أسرى للشبكة العنكبوتية.

د. نبيل الحفار

ولد د. نبيل الحفار في دمشق عام 1945. حاز درجة الدبلوم في الآداب الألمانية عام 1971، وعلى درجة الدكتوراه في الفنون المسرحية عام 1988 من جامعة هومبولت في برلين. كان رئيس قسم الدراسات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق. أسّس مع الراحل سعد الله ونوس مجلة الحياة المسرحية، وأصبح رئيس تحريرها بين عامي
(1991 و2005).
عمل مع الراحل فواز الساجر في عروض المسرح التجريبي للمعهد العالي للفنون المسرحية، الذي ترأّس قسم النقد فيه من العام 1990 حتى تقاعده عام 2005، كما كان مدرّسًا لمقررات تاريخ المسرح، وتاريخ الدراما، وتحليل النص المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية منذ عام 1982، ورئيسًا لقسم الآداب واللغات الأجنبية في هيئة الموسوعة العربية.
أعدّ تسع مسرحيات عربية وعالمية للعرض في المسرح القومي وفرقة المعهد العالي للفنون المسرحية، وترجم أكثر من ثلاثين كتابًا أغنى بها المكتبة العربية منها رواية العطر الشهيرة.