MA5TV الثقافية
كانت الخيل لـ “الشُّجْعَانْ” ووسيلتهم للدفاع عن الأرض والإنسان، برزت ألعاب وفنون رياضة الفروسية التقليدية بالمغرب خلال القرن الخامس عشر الميلادي، على اعتبار أن هواية ركوب الخيل، كانت ومازالت تعكس تمثلات الإنسان المغربي وهو يسترجع ذاكرة الشُّجْعَانْ في زمن الدفاع عن أرض القبيلة، وضمان الأمن والاستقرار والحياة الكريمة، وصدّ العدوان الغاشم وتحرير الثغور من المحتل الأجنبي على صهوات الخيول التي كانت هي الوسيلة الوحيدة لهذا الغرض، حيث بدأت تتشكل مظاهر الفرجة التي يقيم لها المجتمع مناسبات احتفالية خاصة، من أجل الاستمتاع بعروض الفرسان المجندين، على متن صهوات الخيول قبل ظهور مادة البارود.
كان فرسان القبائل يقدمون عروضهم الاستعراضية والفرجوية أثناء التداريب العسكرية بالنبال والحراب وأسلحة أخرى ويتنافسون على إصابة الهدف ـ الرماية ـ قبل استعمال سلاح البنادق ومادة البارود خلال القرن السادس عشر، حيث كانت عروض الفروسية حينئذ تحاكي مشاهد الحروب، والهجمات العسكرية التي شهدتها القبائل المغربية، لذلك فلا غرابة أن ظاهرة الفروسية التقليدية كانت تمارس أيضا في عدة مناطق بالمغرب الكبير الممتد إلى حدود شمال إفريقيا.
من المعلوم أن الحاجة إلى تعزيز صفوف الجنود والفرسان حينئذ قبل أن تأسيس الجيش النظامي بالمغرب كانت تستلزم انضمام أغلب الفلاحين والمزارعين والصناع التقليديين والحرفيين والصيادين المهرة بدعوة من المخزن المركزي والمحلي، بعد أن يمرّوا طبعا من تداريب مكثفة على يد رجال مختصين، سواء على مستوى ركوب الخيل أو الرماية وحمل السلاح والمناورة وأساليب الدفاع عن الأرض والنفس.
إن عروض التبوريدة الأصيلة في زمننا هذا، والتي تحاكي فعلا، دقة تفاصيلها، وقوة خيولها العربية والعربية البربرية، وشجاعة فرسانها وألعابهم وحركاتهم وتقنياتها وصيحات فرسانها المبهرة، مشاهد وصور من الحروب السابقة والهجمات العسكرية التي شهدها المغرب، وتؤرخ في نفس الوقت لزمن الْحَرَكَاتْ السُّلْطَانِيَّة.
كانت العروض الفرجوية للفرسان على صهوة الخيول سابقا خلال مناسبات دينية معلومة ـ عيد المولد النبوي وعيد الفطر وعيد الأضحى ـ تستقطب خلال تنظيمها وإقامتها بمجالات القبائل المغربية، أغلب الصناع التقليديين والحرفيين الذين لهم ارتباط مباشر بمختلف المنتوجات ذات الصلة بالفروسية وأسلحتها وزينتها، والتي تتقاسم فيما بينها استعمال مواد أولية من قبيل مادة الجلد / الدباغة، ومادة الخشب / النجارة، ومادة النحاس والحديد والفضة/ الحدادة/ السباكة/ النقش والخياطة…كل هؤلاء الحرفيين والصناع التقليديين كانوا يجدون الفرصة مواتية خلال الاحتفالات والمناسبات الدينية لتقديم أرقى وأجود ما جادت بها أناملهم الساحرة من منتوجات تقليدية، وكان الهدف من ذلك أن يكشفوا على مدى إتقانهم وتمكنهم من حرفهم وإبداعاتهم ومواكبة جديد صناعاتهم الراقية.
هناك حرفيين وصناع تقليديين انتصروا للفروسية التقليدية، لقد كانت المنافسة الشريفة بين هؤلاء الحرفيين والصناع التقليديين خلال تلك المناسبات والاحتفالات الدينية على مستوى المنتوجات الجيدة، من أجل توفير كل جديد يخص مستلزمات الفروسية والمساهمة في تطويرها وتثمينها وتحصينها بعشق كبير، سواء كانوا وافدين من المجالات القروية المحيطة بمجال القبيلة، أو قادمين من حواضر المدن المغربية، حيث كانت الفرصة سانحة لعرض منتوجات الحرفية: السّرج الأصيل، والْمُكَحْلَة، والْخَنْجَرْ، والسِّكِّين والنِّعَالْ و “التّْمَاكْ” والشْكَارَة، علاوة عن اللباس والزي التقليدي الذي يليق بالفارس، وكانت فعلا هذه اللحظات فرصة إشهارية لتقديم وترويج المنتوجات المجالية والتباهي بجودتها وأصالتها.
ظهر نشاط فن ورياضة التبوريدة بالمغرب بالتدرج، من خلال التداريب التي كان يقوم بها الفرسان الشُّجْعَانْ أمام جمهور القبائل الوافد سواء من الجبل أو المدشر والدوار، أثناء فترات الهدنة والتهدئة واستراحة المحاربين، حيث كانت القبائل في هذه الفترات تخصص أياما لتداريب ركوب الخيل والرّماية أمام قياد وأعيان المنطقة، من أجل صقل مواهب الفرسان، وتحسين مهاراتهم وحركاتهم على صهوة الخيول، واكتشاف نقط قوتهم، ويقظتهم في الميدان. بل كان يشارك في هذه المناسبات حتى الأطفال والشباب لترسيخ قيم الشجاعة والدفاع عن حوزة الوطن.
هي تداريب تقام خلال فترات السلم والهدنة، وحين كان يتم القضاء على بعض التمردات والفتن والثورات التي تطفو على السطح هنا وهناك، أو عودة الفرسان من ميدان الحروب والهجومات ضد المحتل للثغور المغربية، للحفاظ على اللياقة البدنية، وأن يبقى الفرسان يقظين حذرين من كل مباغتة للعدو المفترض، هم وخيولهم.
هذا هو أصل ومرجعية الاحتفالية الفروسية، التي تقدم صورة على الشعب المغربي الذي عاش بنضاله ومقاومته وعلاقته بالفرس من تم تعد الفروسية سيرة شعب له كرامة العروبة.