مواضيع ذات صلة

المرأة في الفن التشكيلي السوري

الفنانة التشكيلية نداء دروبي ـ دمشق

تنوعت مشاهد المرأة في الفن التشكيلي السوري، وكانت أحد أبرز الموضوعات المطروحة، حيث عبّر الفنان من خلالها عن الانتماء للأرض والأمومة والطفولة، وجسدوا كذلك معاناتها بكل أشكالها.. وعكسوا القضايا الاجتماعية والسياسية، والترميز للحرية والعطاء وحب الأرض والخُصب، وفي جوانب أخرى حمّلوها أبعادًا فلسفية ورمزية، وكل معاني الحياة الاجتماعية والالتصاق بالطبيعة والجمال والأرض، في حين برز دور المرأة في بناء المجتمع وتقدمه وهمومه الكثيرة وتطلعاته نحو الأفضل.
لم تحضر المرأة كفكرة ورمز وصورة فقط، بل خرجت عن هذا الإطار وخلّدت نفسها، وكانت حاضرة في ذاكرة تاريخ الفن التشكيلي المحلي والعربي والعالمي. وأثرى وجود الفنانات التشكيليات منذ منتصف الخمسينات وما بعدها مسيرة الفن، وشكّل نهضة على المستوى التقني والفني والإبداعي بجهودهن الفردية.

 
وبالنسبة لي، فقد جسدت من خلال رسوماتي المرأة الكادحة والمناضلة، وهي تتحدى كل الظروف، وسخّرت الكولاج للتعبير عن ذلك. في حين أبرزت المرأة المتحدية للظروف الاجتماعية، وأدخلت في تجسيدها الخرز والدانتيل من أنواع الأقمشة كي أؤكد على جماليات الرداء الدمشقي وروعة تصميمه وأصالته، والانتماء الحقيقي للتاريخ المحلي، وجعلت الصعاب التي واجهتها المرأة خلفها رمزًا لتحدي الأهوال، بينما تصدرت المرأة الصفحة والبُعد الأول من أعمالي، وكأنّها سورية بكل ألقها وجمالها وتاريخها الرافل بالعطاء. وقد لاقت تلك الأعمال الإقبال لدى الجمهور في المعارض التي أقمتها، وتم اقتناؤها مباشرة.. كما رسمتُ المرأة المحاربة والمضحية في الزود عن كرامتها.
ظهرت في سورية فنانات تشكيليات منذ فترة الخمسينات وما بعدها، مثل:
مها بيرقدار، درية الفاخوري، صفاء نبعة، علا الأيوبي، هالة مهايني، ليلى نصير، إقبال قارصلي، أسماء الفيومي، لميس ضاشوالي.
وهنّ كُثر، تركن بصمة في تاريخ الفن النسائي السوري، وعبّرن عن المرأة على المستوى التقني والفني، وقد اختزنت كل واحدة منهن ذاكرة بصرية ذات رؤى إبداعية متفردة بفكرها وثقافتها البصرية.
برزت المرأة بشكل عام عبر ريشة الرُحَّل، وكانت أحد أكثر المواضيع التي اقترحها الفن التشكيلي السوري، وقد شكلت عنصرًا تعبيريًا وجماليًا وفكريًا، كما ظهر وعي جديد حلّ محل الصيغة التقليدية التي اعتدنا عليها، مع استمرار التأكيد على الأزياء المحلية والعربية، وبذلك حافظت تلك الأعمال على خصائصها الجمالية والشعبية، إلى جانب اتجاه بعض الفنانين إلى التلخيص والاختزال والتحوير في معالجة العناصر الأنثوية وغيرها، في ارتباطها بالتراث والأرض والمفاهيم الفلسفية، والتركيز على العمارة المحلية والطبيعة والريف وجمالياتهم.
كانت المرأة مُلهمة الفنانين ورمزًا للجمال والعطاء والخصوبة، وشكلت مجالًا واسعًا للدراسة والبحث، كنموذج جميل ومتناسق يحتوي قيمًا فنية وجمالية ورمزية.. يلجأ إليها الفنان كي يعبر عن ماهية الموضوعات الذاتية، بنقل أحاسيس المتلقي ومشاعره الروحانية تجاه المرأة، التي لا زالت إلى الآن تشغل ريش الفنانين بحضورها الأنثوي اللطيف والمعبر عن الجمال والخِصب في المجتمع. وهكذا أصبح الفن قادرًا على التعبير عن الصيغ الفنية، وكان لكل فن أنثوي مفرداته الخاصة.