مواضيع ذات صلة

خالد بن الضو فكر الملصق ومبدع الحد الأدنى Minimalist

أحمد طنيش

خالد بن الضو، عنوان الاجتهاد والمثابرة، تربطني به علاقة عمرها أكثر من ثلاث عقود، تعرفنا على بعضنا من اليفاعة مرورا بمراحل الشباب وتحولاتها وتشكلاتها، أتذكر عندما كنا نجتمع عنده في غرفة مع الجيران، غرفة الإيجار التي كان يعيش فيها مع أمه، حيث كانا يعيشان لوحدهما، وكانت امرأة شابة جميلة توفيت في رعيانها وبقي خالد وحيدا فوحدنا حوله وحولنا إلى وحدة متناغمة ولم يشعر ولم نشعر باليتم، لم نسأل عن الأب كان غائبا لعله توفي قبل الأم، فقط شعرنا أننا نحب الحياة رغم كل الإكراهات، في تلك الفترة تعرفت على جدته التي عاشت أكثر من 100 سنة، وتعرفت على خالاته اللواتي كن يقطن في كاريان سنطرال، آه تذكرت خالد بن الضو ابن الحي المحمدي أصيل، وابن دار الشباب الحي المحمدي، أتذكر حفل تأبين أخرجه خالد بجمالية التشكيل لصديق مات في رعيان شبابه، تعرفت فيما بعد على عبد الحق أخ الآن هو موظف وأخت خالد سمية أستاذة، خالد الذي كان ابنا لأمي، لأن أمي كانت صديقة لأمه، وكان جزء من عائلتي، للإشارة هو صديقي وأمه صديقة أمي، واكتشفنا نحن هذا الأمر فيما بعد، هكذا كان الحي المحمدي، كل البيوت بيوتنا.


أتذكر جلساتنا وحواراتنا في التسعينيات من القرن الماضي، حول تاريخ الفن، ومناقشاتنا حول اللون والشكل والتحف الفنية ولوحات التشكيليين لكبار المبدعين عبر العالم وأهم المدارس والاتجاهات وجديدها حين ذاك، أعترف أن تكويني الفني أخدته وتطور في بيت خالد بن الضو، في بيته عرفت مدارس تشكيلية وبالأساس مدرسة اسمها السوريالية من ضمن مبدعيها سالفادور دالي، وعبر دالي تعرفت على بيكاسوا حيث تأثر به، في ذاك الإبان استوقفتني لوحة الميلاد الجديد، حيث يخرج رجل من بيضة ويعلن ها أنا ذا أولد من جديد، تلك اللوحة التي أوحت لي بكتابة مسرحية اسمها مخاض ولادة وسينوغرافيتها كانت تلك البيضة، تم تعرفت على لوحة دالي “إصرار الذاكرة” التي وظفت فيها ساعات ذائبة تتدلى من الأشجار والأثاث، ولنا كامل التأويل، الذي مازال يسكنني، من تم تابعت شخصيا الحركة السريالية التي ظهرت في أوائل القرن العشرين كرد فعل ضد المنطق والعقلانية، والتي سعت إلى استكشاف التوترات الداخلية للنفس البشرية. والتي كانت مدفوعة أيضًا بتأثرها بالثورات الثقافية لغاية تحطيم النظم التقليدية وإعادة تشكيل الرؤية التي نرى بها الفن، تمثل السريالية حركة الفن الحديث في التشكيل والأدب واذكر أنه حينما بحثنا في السريالية تعرفنا على أندري بريتون ومجموعة السرياليين وتحولاتهم وميلاد مدارس أخرى متطورة، ولأن السريالية كانت بهذا العنفوان فقد مثلتنا كشباب المرحلة التي تعرفنا عليها، وأذكر أننا أقمنا لقاءات لمحاورة السريالية بين الأدب والتشكيل، وأقمنا لقاءات قدمنا فيها محاورة مع رواد دار الشباب الحي المحمدي ودار الشباب بورنازيل.


في هذه المرحلة التي تعرفت على مصطفى شفيق، ومحمد الهايم، وعبد الله بلوراق وكل هؤلاء هم الآن مدارس واتجاهات فنية مازالت مستمرة في الزمان والمكان واللائحة طويلة، وهي المرحلة التي ولدت فيها مجموعة الحواس الخمس الأدبية وكنا فعلا صعاليك المرحلة على المستوى الأدبي الرافض. لكن من وسط هؤلاء كان خالد بن الضو توجه آخر يتأسس، ممثلا في ذلك الشاب الصامت والمستمع جيدا والذكي بمستوى كبير، والذي حصل على الباكالوريا علوم الفيزياء والرياضيات، أي علمي، وباكالوريا أخرى تخصص فنون تشكيلية وانخرط في مدرسة الفنون الجميلة، بأفق مسدود، أي ليس له آفاق تتمة الدراسة، وفي المرحلة أتذكر اسطحبني معه إلى الرباط ليسجل في شعبة الفلسفة بجامعة محمد الخامس..
لم نكن ندرك بالضبط ماذا يريد خالد بن الضو الحالم والمغامر، ولكنه كان يذرك أنه سيصبح فنانا في تخصص خاص إبداعي له علاقة بالفن والفكر معا وهو مجال الملصق أو قل فكر الملصق، والذي مارسه بفكر فني فلسفي، ولنباغة خالد بن الضو فقد صمم أول ملصق سنة 1994، لتظاهرة دولية، للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، بعد ملصق أستاذه في هذا المجال عبد الله بويدار، وتوالت التجارب في سنة 2005، المهرجان الدولي لمسرح الطفل، ومنذ سنة 2001، صمم قرابة 7 ملصقات للمهرجان الدولي لفن الفيديو للدار البيضاء، وللإشارة فمهرجان المسرح الجامعي وفن الفيديو من تنظيم كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء، التي درس فيها وانتمى لأول فوج في إجازة في الفنون التطبيقية.


ناهيك على اشتغاله بتخصص الملصق في كثير من المناسبات الفنية والسياحية، مع جهات من داخل المغرب وخارجه، بالإضافة إلى ذلك فخالد بن الضو ينشط عدة ورشات في التربية الفنية مع مؤسسات القطاع الخاص.
أعود إلى مرحلة تلمس الطريق وشباب التسعينيات، فقد كنا من رواد مرسم بصمات الذي مات، وكثير من فضاءات التشكيل، وتعرفنا على الشعيبية وفاطنة اللواتي يمثلن الفن الفطري وتعرفنا على طلال ابن الشعيبية ومرسم طلال، وتعرفنا على بوشعيب الهبولي الذي كان يصمم ملصقات فاتح ماي مع نبير الأموي، وأصبح صديقنا وعلى الحريري والملاخ وربيع، والزين، كان ذلك قبل أن يأتي بعض النقاد والتشكيليين من الصويرة وآسفي وطنجة وسطات وغيرها، كما عايشنا نقاد دارسين مختلفين مثل بوجمعة أشفري وشفيق الزكاري وآخرون.
حينما كان خالد بن الضو يدرس في مدرسة الفنون الجميلة، كان وما زال ذلك السخي وكان ينقل إلينا دروسه التعليمية من مدرسة الفنون الجميلة ويناقشها معنا، في تلك الفترة تتلمذ خالد بن الضو على يد وفكر وجدل وتوجيه وحس نقدي لكبار ومن خيرة الأساتذة في المجال الفني والفلسفي، الأساتذة: مليم العروسي ، نور الدين أفاية، عبد الكبير ربيع، التجانية فرتات، عبد الكريم بلحاج ،عبد الله بويدار، حمادي ݣيروم، عبد القادر لقطع، مع هذه الجينالويجا والجغرافية الفكرية والتحليلية والتأويلية بالإضافة التكوين الخاص ورجة النقاشات والجدل والاختلافات والصدمة الفكرية بالاتجاهات التي اكتشفناها، كان ميلاد الظاهرة التشكيلية التي تحولت إلى نمط واتجاه وتوجه.
في مدرسة الفنون الجميلة كان خالد بن الضو من المحظوظين الذين حملوا من هناك إلى كلية الآداب بنمسيك وانتموا إلى أول إجازة للفنون تطبيقية، ويرجع الفضل بعد الله سبحانه إلى موليم العروسي وبتأشير واعتماد ورعاية عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك د. حسن الصميلي.


من خلال التعدد وتنوع روافض التكوين والتأثير، كان ميلاد مبدع من نوع خاص اسمه خالد بن الضو الفنان المتكامل القادم من الفن والفلسفة والفیزیاء والریاضیات وهندسة الديكور، والذي أصبح مصمم ملصقات بتصميم تيمته الحد الأدنى Minimaliste لأن الحد الأقصى كان تكوينا وممارسة وتجريبا، بتقنية الحد الأدنى Minimaliste يترجم خالد بن الضو جوهر الحدث ويحوله إلى تحفة فنّية متكاملة؛ إذ أن لكل عنصر معناه الخاص وخالد كما عرفناه يركز في التفاصيل وقوة تخصصه وتميزه في فكر الملصف تتم في التفاصيل ومع الصورة المميزة يوظف كلمة أو كلمتين لفلسفة سردية بصرية.
في مدرسته التصميمية التي أسسها وتميز بها أسميه شخصيا مفكر الملصق، الذي يمارس الفكر وتصبح الإشارات الجمالية أبجديات للجملة البصرية وبلاغتها، الحد الأدني، أي بلاغة الاقتصار عند خالد تبنى على عنصرين لا أكثر، من تم فالملصق فكر، يوازي الفعالية أو الحدث الثقافي أو الفني أوالاقتصادي أو غيره.
من أبرز منجزه التاريخي الذي تدعوا الضرورة أن يسجل في كتاب كينيز، أنه أبدع مفهوما نادرا غير مسبوق يخص الحدث الثقافي الذي لها حفلي افتتاح واختتام، حيث يعد ملصقا للمهرجان قبل حفل الافتتاح يظن المتلقي أنه ملصق التظاهرة ويمثلها كلها، كما هو معتاد في العالم ومنذ اخترع الملصق، أضاف وأبدع المسألة ليس جمالية فقط بل تواصلية وإعلامية وتداولية، لتواضع الرجل لم يخلق الهالة حوله ولكنه ترك الأمر للنقاد والمتتبعين والمتخصصين، حيث يصبح ملصق الإختتام استجابة بصرية لملصق الافتتاح، مما يوفر استمرارية فنية.

إشارة: الملصقات التي وضعت هي فقط عينات من أعمال خالد بن الضو، سنعود إلها في إطلالة إعلامية جديدة لإعداد وثاقي مع الفنان.