بقلم: أسماء بن سعيد
ي عالم يسير بسرعة الضوء، حيث تُستهلك المعلومات في لحظات، ويضيع الكثير منها بين ضجيج الشاشات، يظل فنّ الملصقات أحد أقوى أشكال التعبير البصري وأكثرها تأثيرًا. إنه ذلك الفن الذي يظن أنه صامت وجامد لمن يجهل لغات وبلاغة الحروف الأخرى غير الأبجدية التقليدية، وهي لغات فصيحة بما يكفي ليُوقظ وعينا، وتستفز ذاكرتنا، وتحرّك مشاعرنا بلقطة واحدة أو جملة بصرية مركّزة.
الملصق ليس فقط صورة ملوّنة ولا إشهارًا عابرًا، بل هو خطاب بصري يحمل خلفه تفكيرًا، وموقفًا، ورسالة. حين ينفّذه فنان حقيقي أو مصمم ملتزم، يصبح أداةً للتغيير، وربما مقاومة. في الثورات، في الحملات التوعوية، وحتى في الإعلانات التجارية، يظهر الملصق ليخطف العين ويزرع فكرة. ما يميزه عن المقال أو التقرير، هو أن لحظة النظر إليه قد تكون كافية لزرع التأثير، بلا شرح طويل أو تحليل معقّد.
الصورة لا تقل بلاغة عن الكلمة، بل قد تتفوّق عليها أحيانًا. الملصق الجيد هو قصة مضغوطة بصريًا، تقول كل شيء في ومضة. ومن خلال البحث في مسار هذا الفن، يتضح أنه لم يكن يومًا مجرد عنصر جمالي أو تسويقي، بل رافق التحوّلات الكبرى، وكان شاهدًا على قضايا الإنسان، من الحروب إلى التغيّر المناخي، من حرية التعبير إلى حقوق المرأة وغيرها كثير، لذا يعد الملصق خبر لوحده يحمل الأسئلة الستة المحددة للخبر وزيادة.
خلف كل ملصق ناجح، فريق يفكر في الرسالة، الجمهور، اللون، واللحظة المناسبة. وهنا يلتقي الفن بالإعلام، ويلتقي الإبداع بالوظيفة الاجتماعية. ولهذا السبب، من الهام أن يُفهم هذا الفن، وأن يُتقن من أجل قول الكثير في مساحة صغيرة واحدة، وأن يدرج كمادة تعليمية من المستويات الصغرى إلى العليا.
فنّ الملصقات ليس مجرد صورة تزيّن الجدران أو تغزو الشاشات، بل هو وثيقة بصرية تنبض بالحياة، تحفظ الذاكرة وتختزل المعنى. الملصق عنوان ومرآة عصره، يدوّن باللون والشكل ما تعجز الكلمات أحيانًا عن قوله، وأحيانا يلغي اللون ليؤكده، هذا وفي زمن طغت فيه السرعة وتكاثرت الرسائل، يظل الملصق صرخةً بصرية تلامس الوجدان، وتوقظ الوعي. لذا، فكل ملصق نمرّ به في الشارع أو نراه على الشاشة، قد يكون أكثر من إعلان… قد يكون لحظة وعي، أو بداية سؤال وهاجس ومخاض لولادة أخرى.