مواضيع ذات صلة

السمفونية: ملحمة الموسيقى الكلاسيكية

بقلم: آية الحمري

في عالم الموسيقى الكلاسيكية، تقف السمفونية كأحد أرقى أشكال التعبير الموسيقي وأكثرها عمقا. إنها ليست مجرد مقطوعة طويلة تعزف في قاعات النخبة، بل هي رحلة سردية بدون كلمات، تسافر فيها الأحاسيس والمعاني عبر أنغام الأوركسترا، بقيادة عقل موسيقي عبقري يُدعى “المؤلف”.


ما هي السمفونية؟

السمفونية (Symphony) مؤلَّف موسيقي ضخم يُكتب عادة لأوركسترا كاملة، ويتكون غالبا من أربع حركات تختلف من حيث الإيقاع والمزاج والبنية. تعود جذورها إلى الكلمة الإغريقية “سيمفونيا”، وتعني “تآلف الأصوات”. نشأت في القرن الثامن عشر، وتطورت لتصبح حجر الأساس في الموسيقى الكلاسيكية، خصوصًا خلال العصرين الكلاسيكي والرومانسي.

● السمفونية كشاهد على التاريخ

اللافت في تاريخ السمفونيات أنها بالإضافة إلى كونها محاولات فنية للتعبير عن الجمال، لقد وقفت شاهدا على لحظات إنسانية كبرى أيضا، وسجلًا صوتيًا لصراعات سياسية وثورات وكوارث وانتصارات. من أبرز السمفونيات التي ارتبطت بأحداث تاريخية:
– سمفونية لينينغراد (السابعة) لدميتري شوستاكوفيتش: ألّفها خلال حصار لينينغراد في الحرب العالمية الثانية، وصارت رمزًا للمقاومة ضد الفاشية. الحركة الأولى تُمثّل زحف الجيش النازي في موسيقى تصاعدية خانقة.
– السمفونية الثالثة لبيتهوفن (“إيرويكا”): كُتبت في البداية تكريمًا لنابليون بونابرت كبطل للثورة، لكنه حذف الإهداء بعد أن نصّب نفسه إمبراطورًا. العمل يُجسّد التحول من البطولة إلى الخيانة.
– السمفونية الحادية عشرة لشوستاكوفيتش (“عام 1905”): تحاكي أحداث الأحد الدامي في روسيا القيصرية، حين أُطلق الرصاص على متظاهرين سلميين. استخدم فيها نغمات مأخوذة من أغاني شعبية ثورية.
– السمفونية التاسعة لفيليب غلاس (2011): كتبها في الذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر، كمحاولة للتأمل في الصدمة والتعافي.
تدل هذه الأمثلة على أن السمفونية ليست فنًا معزولًا عن الواقع، بل مرآة حساسة لنبض الشعوب وذاكرتها الجماعية.


من روّاد هذا الفن؟

– جوزيف هايدن، مؤسس البنية الكلاسيكية للسمفونية، بأكثر من 100 عمل.
– لودفيغ فان بيتهوفن، الذي حوّل السمفونية إلى عمل فلسفي وإنساني ضخم، خاصة في سمفونيته التاسعة التي أدخل فيها الكورال لأول مرة.
– غوستاف مالر، الذي حمّل سمفونياته تأملات دينية وفكرية عن الإنسان والموت والبعث.
– شوستاكوفيتش، الذي استخدم الموسيقى كأداة مقاومة وصوت داخلي في ظل القمع السوفياتي.
تُعزف عادة في قاعات مشهورة مثل قصر الموسيقى في فيينا وكارنيجي هول في نيويورك. لكنها اليوم متاحة للعالم بأسره عبر الإنترنت.
السمفونية ليست حكرًا على النخبة أو المحترفين، بل هي فن إنساني أصيل. بمقدورها أن تُجسّد الثورة، الحزن، النصر، وحتى الألم الشخصي. إن استماعنا لها هو أيضًا فعل مقاومة للسطحية، ودعوة للتأمل في ما هو أعمق من اللحظة.