أمينة عباس- دمشق
برحيل الموسيقار أمين الخياط عام 2023 فقدت الأوساط الفنية والموسيقية في سورية اسماً لامعاً في عالم الموسيقا في زمن العمالقة وهو الذي رافق كبار المطربين كأم كلثوم ونجاة الصغيرة ووديع الصافي وسعاد محمد وميادة الحناوي، واستطاع عبر فرقته وعزفه على ألة القانون أن يجول العالم، وهذا لم يكن ذلك غريباً عليه وهو الذي ولِدَ في بيتٍ كان أشبه بنادٍ موسيقي يلتقي فيه أصدقاء والده مع آلاتهم الموسيقية وكانوا من كبار أهل الموسيقا والفن: حليم الرومي، رفيق شكري، نجيب السراج، عدنان قريش، ميشيل عوض، سلامة الأغواني، محمد عبد الكريم.. وفي سهراتهم سمع القصيدة والموشح والقدّ وكافة أنواع الموسيقا الأصيلة.

مع أم كلثوم
أدرك أمين الخياط مبكراً أن الموسيقا مبتغاه حين طغى حبه لها على تحصيله الدراسي، لذلك ما إن تأسس المعهد الموسيقي الشرقي بدمشق عام 1950 حتى انتسب إليه، وكان أصغر المتقدمين إليه، وفيه اطلع على علوم الموسيقا الشرقية، وتعلم العزف على آلة القانون التي اختارها والده له، وكان من المتفوقين فيها، وكان أستاذه حينها العازف السوري الشهير محمد العقاد، في حين كان الأستاذ ميشيل عوض أستاذه الحقيقي في العزف على آلة القانون من خلال نصائحه وإرشاداته وتمارينه الطويلة والصعبة معه، وقد رافقه عوض حتى بعد تخرجه عام 1954 حيثُ ظلّ يرعاه ويمده بعلوم الموسيقا، وحين زارت أم كلثوم دمشق في خمسينيات القرن الماضي بدعوة من فخري البارودي لإقامة حفل خاصّ مع المعهد الموسيقي الشرقي لرقص السماح والعزف على القانون تم اختياره للعزف على القانون، ويذكر الخياط في أحد حواراته أن ذلك كان من أصعب اللحظات التي عاشها في حياته حيث عزف بعضَ التقاسيم أمامها، وكذلك المقدمة الموسيقية لأغنية “ذكريات” ألحان رياض السنباطي، كلمات أحمد رامي، فأثنت عليه وهنأته على عزفه، وحين زارت المطربة نجاة الصغيرة دمشق عام 1954 لإحياء بعض الحفلات والغناء بمرافقة أهم العازفين كان من المفترض أن يكون معها عازف القانون محمد العقاد، ولكن لسفره المفاجئ قام بترشيح تلميذه الخياط ويومها رفضت أن ينضم إلى العازفين الكبار معها لصغر سنه إلا أن العقاد أصرّ على مشاركته، وهذا ما كان، وفوجئت نجاة الصغيرة حينها بمقدرته على العزف، فاعتذرت منه وأثنت عليه.


في مدينة الطرب
بعد التخرج من المعهد رفض والد أمين الخياط رفضاً قاطعاً العمل في النوادي الليلية، فكان أن انضم إلى فرقة ميشيل عوض التي كان يعزف فيها أساطير العزف في سورية كعمر النقشبدي على العود وياسين العاشق على الكمان، وبدأ الخطوات الأولى مع سعاد محمد في أوائل أغانيها وقد طلبت منه مرافقتها إلى بيروت، ومن خلال الحفلات التي أقامتها اكتسب الخبرة والمعرفة الموسيقية، وبعد عودته إلى دمشق عام 1957 عرض عليه عادل خياطة حين عيّن مديراً لإذاعة حلب العمل معه في الإذاعة، وهناك تعرف الخياط في مدينة الطرب على أساتذة النغم وعلى شخصيات مهمة كنذير عقيل وشاكر بريخان، وفي هذه الفترة بدأ يمارس التلحين من خلال النصوص الشعرية الغنائية التي كان يكتبُها شاكر بريخان، وقد غنّى بعضها مها الجابري وسمير حلمي وسحر ومحمد خيري، وغيرهم، كما قام بإنشاء فرقة موسيقية خاصة باسم فرقة الأوتار الذهبية وانضم إليها معظم العازفين الكبار في حلب كالملحنين ابراهيم جودت وسمير حلمي وعدنان أبو الشامات، وكان إنشاء هذه الفرقة حدثاً مهماً في مسيرته الفنية، وأصبحت خلال فترة قصيرة تنافس فرق العزف الشهيرة وفرقة الإذاعة، وكانت في العام 1960 مع بدايات التلفزيون السوري ركناً أساسياً في برامجه وسهراته.