MA5TV الثقافية
“دفاع عن المثقفين” تاليف : جان بول سارتر، ترجمة : جورج طرابيشي، الناشر : منشورات دار الاداب بيروت، تاريخ النشر : 1973/ وهو ليس كتابًا مستقلًا، بل عبارة عن مجموعة من ثلاث محاضرات ألقاها سارتر عام 1972، نُشرت لاحقًا ضمن مجموعة مقالاته Situations VIII، جان بول سارتر (1905–1980)، فيلسوف فرنسي وجودي، وكاتب وناشط سياسي. أبرز مؤلفاته: الوجود والعدم، الأيدي القذرة، كلمات، نقد العقل الجدلي. رفض جائزة نوبل للآداب عام 1964 لأسباب مبدئية تتعلق باستقلاله الفكري.
يدافع سارتر في هذا النص عن دور المثقفين في المجتمع بوصفهم فاعلين نقديين وليسوا مجرد خبراء محايدين. يرفض أن يكون المثقف خاضعًا للسلطة أو مروّجًا للوضع القائم، ويؤكد أن عليه الانخراط في القضايا الأخلاقية والسياسية بوعي نقدي وانحياز للمظلومين.
حيث يطرح من هو المثقف؟
يبدأ سارتر بتعريف المثقف، مشيرًا إلى أنه ليس مجرد خبير تقني أو أكاديمي، بل شخص يمتلك وعيًا نقديًا بموقعه الاجتماعي والتاريخي. يميز سارتر بين “المثقف التقليدي” (الذي يركز على المعرفة النظرية) و”المثقف العام” (الذي يتجاوز تخصصه لينخرط في قضايا المجتمع). يرى سارتر أن المثقف ينشأ من تناقضات موقعه: فهو جزء من الطبقة البرجوازية، لكنه يكتسب وعيًا بظلم النظام الذي يدعمه هذا الموقع. يشرح كيف أن المثقف يصبح “خائنًا لطبقته” عندما يختار الوقوف مع المضطهدين.
يرى سارتر أن المثقف ليس من يمتلك المعرفة فقط، بل هو من يستخدم معرفته لكشف الظلم الاجتماعي والسياسي. إنه شخص يتجاوز تخصصه ليطرح أسئلة عن العدالة والحرية، ويزعج الأنظمة القائمة.
كما يضع تعريفا عن الفرق بين المثقف والخبير، الفرق بين المثقف والخبير حيث أن الخبير يعمل ضمن نظام المعرفة لخدمة السلطة أو السوق. أما المثقف، فينقد هذا النظام نفسه. الخبير يخضع للواقع، بينما المثقف يسعى لتغييره.
ويشير كذلك إلى الانخراط والتزام المثقف، وهنا يتبنى سارتر مفهوم “الالتزام” (l’engagement)، ويُطالب المثقف بأن يلتزم بالقضايا العامة ويشارك في الصراع الاجتماعي، حتى لو أدى ذلك إلى التصادم مع النظام.
المثقف في نظر سارتر ككاشف للمتناقضات، وظيفته أن يُظهر التناقضات التي تسكت عنها السلطة: كالفقر في ظل الرخاء، أو الظلم باسم القانون. إنه يحطّم الصور الرسمية للواقع.
كما يحذّر سارتر من المثقف الذي يتحالف مع السلطة أو يقبل بالحياد الزائف، لأنه بذلك يفقد جوهر دوره التاريخي.
في سياق نقده للاستعمار، يناقش المثقف والعالم الثالث ويشدد على أن المثقف الأوروبي مسؤول أخلاقيًا عن الوقوف مع الشعوب المضطهدة في الجنوب، وليس مجرد مراقب خارجي.
ويصرح أن وظيفة المثقف لها أبعاد ويركز في هذا القسم على دور المثقف كفاعل أخلاقي وسياسي. يؤكد سارتر أن المثقف يجب أن يكون ملتزمًا بالقضايا الاجتماعية، مستخدمًا معرفته لفضح التناقضات في النظام الرأسمالي والسلطة القائمة. يقدم أمثلة تاريخية، مثل دور المثقفين في قضايا مثل الحرب الجزائرية، حيث كانوا صوتًا للمقاومة ضد الاستعمار. يشدد سارتر على أن المثقف لا يمكنه أن يكون محايدًا، لأن الحياد في حد ذاته يدعم الوضع الراهن.
من يتناول المثقف والثورة ويناقش سارتر العلاقة بين المثقف والحركات الثورية. يرى أن المثقف يجب أن يعمل كجسر بين النظرية والممارسة، موجهًا الجماهير نحو الوعي السياسي دون أن يفرض نفسه كقائد. يحذر من مخاطر تحول المثقف إلى بيروقراطي أو نخبوي، ويدعو إلى تواضع فكري يسمح له بالتعلم من الجماهير. يركز سارتر على أهمية التضامن مع الطبقات العاملة والمهمشة، مع التأكيد على أن دور المثقف يكمن في تقديم تحليل نقدي يدعم النضال الثوري.
يعتبر هذا الكتاب دفاع عن المثقفين ليس فقط دفاعًا عن المثقف، بل نداء لمحاسبته أيضًا: هل يكتفي بالكلام؟ أم يسهم فعليًا في تغيير العالم؟ يرى سارتر أن المثقف الحقيقي هو من ينحاز ضد الظلم، مهما كلفه ذلك.