مواضيع ذات صلة

المخرج محمد عبد العزيز، يوقّع روايته الأولى “الجمال العظيم” في دمشق

أمينة عباس- دمشق

احتفى الوسط الثقافي والأدبي والقني مساء أمس بتوقيع المخرج التلفزيوني والسينمائي السوري المعروف محمد عبد العزيز لروايته الأولى والتي حملت عنوان “الجمال العظيم” وذلك في مقهى الروضة بدمشق، وهو ليس أول سينمائي يتّجه إلى حقل الرواية والكتابة، ومن يعرفه لم يتفاجأ من دخوله لعالم الكتابة وقد اعتاد أن يكتب معظم سيناريوهات أعماله التلفزيونية والسينمائية أو يكون شريكاً في كتابتها إلى جانب إصداره عام 2005 في بيروت كتاباً يضم ما يشبه النصوص الشعرية حمل عنوان “نيكوتين” مع الإشارة أيضاً إلى أنه كتب في الصحافة السوريّة في صحف مثل “الدومري” و”بقعة ضوء” وهي من الصحف التي صدرت بعد العام 2000.


الواقعية والواقعية السحريّة

ورغم قناعة الكاتب محمد عبد العزيز أنّ الرواية تُقرأ ولا يتم الحديث عنها إلا أنه يبين لنا أنه يطلّ من خلالها على منطقة ليس لدى القارئ السوري والعربي فكرة عنها وهي منطقة الشمال في سورية والتي تختزن الكثير من المكونات السوريّة: كرد، عرب، مسيحيون، آشوريون، يزيديون، شراكس.
ويعتبر عبد العزيز كتابة الرواية اختباراً جديداً له حاول أن يعبّر عن نفسه من خلالها بأسلوبٍ جديد وبمخزونه الفلسفي والنظري والبصري: “وما بين الخيال والواقع فيها لم أنحَز لطرف على حساب الطرف الآخر وإنما كانت الرواية مزيجاً من الاثنين ما بين الواقعية والواقعية السحريّة، وهو منهج سينمائي أكثر من كونه أدباً، وقد بدأتُ بكتابتها منذ العام 2009 في عمّان حيث كنتُ أقيم هناك، وكتبتُها بدايةً كنصّ سينمائي وحين التقيتُ مع الفنان الراحل خالد تاجا وأخبرته عنه شجعني لدفع مسودة النص باتّجاه فيلم سينمائي، ولكن وبسبب أنّ أحداثه ومناخاته تدور في الشمال السّوري وجدتُ صعوبة في إيجاد مموّل يجول في المثلث الحدودي في الشمال وفي العام 2021 أعدتُ النظر بالنص لتحويله لنص روائي حيث مناخاته أعمق وحامله أثقل من التلفزيون والسينما، وفيه يشعر الكاتب بحرّيته الكبيرة، ولا أنكر أن خوض كتابة هذه الرواية كانت اختباراً لي وللذاكرة وللشكل الابداعي للرواية”.

كيمياء الذات

ولكن هل تنتمي هذه الرواية للسيرة الذاتية؟ وهل استطاع أن يقمع المخرج في داخله حين كتابتها؟ يجيب عبد العزيز: “من المؤكد أن فيها شيئاً من كيمياء الذات، ولا بد أن يعبّر المخرج أو الكاتب أو الشاعر عن نفسه في الفيلم أو في الرواية أو المسلسل أو القصيدة، وخاصّةً عندما تتم العودة إلى التنشئة الأولى، ولكنّ من المهم كيفية معالجة ذلك أدبياً وفنياً، وكمخرج حاولتُ أن أتخلص من المخرج الذي يقبع في داخلي، لكنني أعترف أنني لم أنجح دائماً، ومن يقرأ الرواية سيشعر أن فيها جانباً أدبياً وتقطيعاً مونتاجياً للفصول يقوم على سرد معاصر يشبه السرد السينمائي، وهذا طبيعي باعتباري آتٍ من خلفية سينمائية، لذلك تضمنت الرواية مشاهد بصرية سينمائية ولا يوجد حكاية متواصلة فيها فهي مجموعة من المَشاهد البصرية السينمائية لكن بشكل أدبي، وبهذا قد تكون شكلاً جديداً في الكتابة الروائية وليست نزوة.
وحول إمكانية تحويلها لعمل تلفزيوني أو سينمائي يوضح عبد العزيز: “من الصعب تحويلها إلى عمل تلفزيوني، حيث تحتاج إلى معالجة مختلفة، أمّا على الصعيد السينمائي فهذا يرتبط بقدرة المخرج على تبني الرواية وما إذا كانت لديه رؤية ومعالجة للنص، ولكن إذا أُتيحَت لي فرصة ضمن المشروع الفكري الذي أشتغل عليه سينمائياً أو تلفزيونياً وجهة إنتاج قادرة على تمويله فلمَ لا”.
ويختم عبد العزيز كلامه قائلاً: “لم أتأثر بأحد في كتابة الرواية رغم قراءاتي الكثيرة، واكتشفتُ بعد تجربتي في كتابة الرواية أنها ليست نزوة وقد أغرتني الكتابة الروائية أكثر من التجربة الدراميّة، وخاصّةً التلفزيونيّة لأن عالم الرواية ثريّ جداً، وأجد أنه ما عاد بالإمكان الانفكاك من الاستمرار به، ولديّ الآن مسودّات لرواية أخرى مركزها دمشق التي كانت دائماً المكان البطل في كل أعمالي السينمائية والتلفزيونية”.

طقوس وأساطير بيئة الشمال

ولخّصت كلمة دار النشر نينوى التي تبنّت الرواية وضمّها الغلاف الأخير للرواية ما جاء فيه: “كمن يتدلى نحو بثر يغوص محمد عبد العزيز في مياه عميقة، كاشفاً عن كنوز وطقوس وأساطير بيئة الشمال المهملة بعينيّ طفل يرى ما لا يراه الآخرون ويتأمل حركة الكائنات في وحدتها، وإذا به بالتفاتة جانبية يحول الطين إلى صلصال كأنه لم يقطع حبل المشيمة مع أمه يوماً بغياب الأب الذي نطق عبارة أخيرة ثم غفى إلى الأبد “ما أحلى رائحة الدنيا” هكذا بات قبر الأب فوق تلة عالية مَزاراً للعائلة تستمد منه قوة غامضة تمنحهم جميعاً أسباب النجاة وعلى الجانب الآخر تتشعب دروب المتاهة بين قرية يعصف بها الغبار ومدينة تهديه مشهداً مغايراً، وتتدفق الصور أمامه مثل شريط سينمائي مدهش سيعيد تركيبه بوعي لاحق تبعاً لعمل الغريزة ويقظة الحواس وفي المدرسة الابتدائية سوف تعانده اللغة في فهم الشعارات الجوفاء التي يرددها المعلم أمام التلاميذ فيلجأ الطفل إلى الرسم كتعويض عن هذه الهجنة اللغوية التي كانت كحجر في الفم، وليس ما يدوّنه محمد عبد العزيز في هذه الرواية سيرة ذاتية خالصة بقدر ما هي مشهديات تنطوي على روح متوثبة في حراثة أرض بكر لم تقربها الرواية السورية بمثل هذه البراءة والعذوبة والألم”.

رواية جديرة بالاهتمام والقراءة

وعن سبب تبنّي الرواية من قبل دار نينوى يقول أ.أيمن الغزالي صاحب الدار في تصريحه لنا: “نحن مهتّمون بالأدب السوري عموماً وبأي صوت جديد، ومحمد عبد العزيز اسم مُكَرَّس في الساحة البصرية كمخرج، وعندما قدّم لنا الرّواية شعرنا أنه عمل جدير من الناحية الأدبية ومن ناحية الفكرة النادرة التي تناولها، وهي عبارة عن مذكرات الطفولة وعلاقته بالأم التي فقدتْ زوجها مبكراً، لذلك وجدنا أنها رواية جديرة بالاهتمام والقراءة، وهي التي تحكي عن الشمال السوري وجغرافيته وأنسنة الأشياء التي عاشها البطل في طفولته وحواره مع الطبيعة وعلاقته مع والدته”.
وردّاً على سؤال إن كان محمد عبد العزيز حاضراً كمخرج في سرد روايته يضيف الغزالي قائلاً: “كان المخرج حاضراً وإن كنتُ أعتقد أنه فعل ذلك دون قصد من خلال المشهديّة السينمائيّة واللغة البصريّة العالية والجمل القويّة الخاصّة به، وقد حاول أن يكرّس هذا الجانب البصري لصالح الصورة التي أنتجها للرواية، مع ربط الجانب البصري بالجانب الحياتي لتكون الرواية رواية إنسانية صالحة لكل زمان ومكان”.