أمينة عباس ـ دمشق
شكّل رحيل الروائي والسيناريست حسن سامي يوسف في مثل هذه الأيام من العام الماضي وهو الذي لُقّب بـ “المعلّم” نظراً لإمكانياته العالية في الكتابة الروائية والدرامية خسارة موجعة للساحة الفنية السورية والعربية كأحد أبرز كتّاب الدراما وقد رفض حتى اللحظة الأخيرة من حياته أن ينقاد إلى الموجة الجديدة من الأعمال الدرامية التي لا تشبه الناس.. يقول: “لن أكتب يوماً مسلسلاً لا يشبهُنا، حتى لو أصبحتُ عاطلاً عن العمل” وهذا ما جعله غائباً عن الدراما منذ أن قدم عام 2017 مسلسل “فوضى” إخراج سمير حسين وفيه تحدّث عن تلك الفوضى التي أصبحت عنواناً لحياتنا التي نعيشها والتي لم ينجُ منها ككاتب حين أصبحت نصوصه بعيدة عن مقاسات ما يريده المنتجون.

العودة إلى الرواية
بعد النجاح الذي حققه مسلسله “فوضى” عام 2017 تعثرت مشاريع حسن سامي يوسف الدرامية فعاد إلى كتابة الرواية، حيث كتب “على رصيف العمر” كما كتب مسلسلين كبيرين، ثانيهما مأخوذ عن الرواية ذاتها، والأول هو ذاك الذي كان يبني عليه آمالاً كبيرة وقد حمل عنوان “الأمير الأحمر” ويتناول سيرة القيادي الفلسطيني الراحل أبو علي سلامة، وكان من المقرر أن يؤدي دوره الفنان تيم حسن، إلا أن المشروع توقف لأسباب غير معلنة، أما المسلسل الثاني المأخوذ عن روايته “على رصيف العمر” فقد عرضه أولاً على منتج صديق له كانت له معه تجربة إنتاجية ناجحة، وحين قرأ المنتج السيناريو قال له: “لا أستطيع تسويق هذا العمل” وبعد فترة لاحت بوادر الأمل لديه في أن يرى العمل النور حين ظهر منتج آخر تم الاتفاق معه على كل التفاصيل لإنجازه، لكنه سرعان ما انسحب من المشروع.. يقول حسن سامي يوسف: “ذهبتُ إلى المنتج لأستوضح ملابسات هذا الانسحاب المفاجئ فقال لي: “لا يوجد أكشن في العمل، بينما تتطلب السوق اليوم هذا الأكشن” ويضيف يوسف قائلاً: “أنا كاتبٌ مغروسٌ في وحل الواقع ولا أستطيع أن أصنع مسلسلاً عالقاً في الفراغ وغير محدّد المعالم من حيث الزمان أو المكان أو الشخوص، أو من حيث الهمّ قبل هذا كله، حتى لو أصبحتُ عاطلاً عن العمل قولاً وفعلاً” وحينها قرر حسن سامي يوسف أن يتفرّغ لكتابة الرواية، وقد شرع فعلاً بكتابة رواية بعنوان “البرتقالة الزرقاء” غير أنه لم يتقدم فيها كثيراً، فالمشكلة الكبيرة برأيه هي أن الرواية في بلاد العرب لا تُطعم خبزاً وأن الكتابة التلفزيونية هي مصدر دخله: “أريد أن أشتغل، أن أكون فاعلاً في المجتمع، وخاصة أنني أتمتع بصحة جسدية لا بأس بها، أما صحتي الذهنية فهي أكثر من جيدة” وببقايا ضئيلة من الأمل شرع في كتابة مسلسل جديد بالشراكة مع زوجته بعنوان “صلاة الغائب”: “وإنْ لم يرَ هذا المسلسل النور فأيضاً لا بأس”.
ثلاثية فلسطينية
اتجه الراحل للرواية في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، وكانت أولى رواياته “الفلسطيني” التي كتبها بعد أن كان شاهداً على الاجتياح الاسرائيلي، وكانت هذه الرواية هي الأولى من ثلاثيته الفلسطينية التي أطلق عليها اسم “التغريبة” : “الزورق” ١٩٩٠ و”بوابة الجنة” ١٩٩٨ والتي تُعتبر علامة فارقة في أدب النزوح والشتات وهي ثلاثية لجيل ولِد إما عشية الشتات أو يوم الشتات، أي نهاية الأربعينيات، فالشخصيات تندرج ضمن هذه الفترة من حيث الولادة على الأقل، فتحدث عن ضياعه وبحثه المضني عن الحق والعدالة، وغالباً ما انتهى نهاية مأساوية كما في “الزورق و”الفلسطيني” وفي العام 1996 كتب روايته الذاتية “رسالة إلى فاطمة” والتي تسرد جانباً من شبابه، فكان فيها البطل وقد حملت أفكاره دون أن يلجأ إلى المواربة.. يقول: “منذ شبابي البكر كان عندي طموح أن أجاري النموذج العالمي الذي يقوم على الجرأة في الكتابة كاعترافات جان جاك روسو وإن كنتُ أعترف أنني لم أصل إلى هذا المستوى من الجرأة إلا أنني استطعتُ أن أصل إلى درجة من البوح كانت بمنزلة دعوة الآخرين للتحدث بصدق دون تجميل أنفسنا” ليخطّ في العام ٢٠٠٠ روايته “فتاة القمر” التي أعاد كتابتها تحت عنوان “الغفران” وفي عام 2003 أصدر كتاب “هموم الدراما.. دراسة في الدراما” وكان من ضمن منشورات مهرجان دمشق السينمائي، وخلال الحرب على سورية كتب رواية “عتبة الألم” التي تحولت إلى مسلسل “الندم” الذي أخرجه الليث حجو ليختتم مسيرته الروائية بـ “على رصيف العمر” والتي صاغ منها سيناريو لم يرَ النور.
السينمائي
حصل حسن سامي يوسف على منحة من قبل وزارة الثقافة لدراسة السيناريو السينمائي في الاتحاد السوفييتي، وخلال تلك الفترة كتب سيناريو لفيلم من إنتاج القطاع الخاص هو “غابة الذئاب” للمخرج محمد شاهين ولاقى الفيلم رواجاً تجارياً جيداً، وحين تخرّج من معهد السينما لعموم الاتحاد السوفييتي عاد بعدها موظفاً في المؤسسة العامة للسينما، وكانت باكورة أعماله فيلم “الاتجاه المعاكس” للمخرج مروان حداد، ثم تابع وكتب السيناريو لعدة أفلام كان آخرها سيناريو “بوابة الجنة” إخراج ماهر كدو ٢٠٠٩ عن رواية له تحمل الاسم ذاته، كما كان مستشاراً درامياً لكثير من أفلام السينما السورية وبقي في المؤسسة حتى تقاعده مطلع الألفية الجديدة، تعاون درامياً مع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد في أغلب أفلامه.
عتبة الألم
كفلسطيني الأصل كان يردد دوماً: “كلّ الأحلام ضائعة، وكلّ الطموحات مفقودة ما دام الوطن مفقوداً” وكان يرى أنه سوري في المقام الأول دون أن ينفي فلسطينيته، وقد تحدث عن فكرته تلك في روايته “عتبة الألم” والتي تُعتبر بمثابة سيرة ذاتية، حيث قال: “فلسطين أرض سورية تم اغتصابها بمؤامرة كونية فريدة من نوعها في تاريخ البشر.. هذا ما أؤمن به، وهذا ما لا أجادل فيه، وكنتُ وما زلت وسأبقى مؤمناً بأنني سوري أعطوه اسم فلسطيني، تماماً كما أن هناك حلبياً، حمصياً، إلخ”.
من فلسطين إلى سورية
ولِد الكاتب الراحل في قرية لوبيا قرب طبرية في فلسطين بعد نكبة فلسطين عام 1948 والتجأت عائلته إلى لبنان ثم إلى سورية وأقامت في دمشق.. تلقّى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدراس الأونروا، والثانوية في مدرسة عبد الرحمن الكواكبي، وعمِل ممثلاً في المسرح القومي في دمشق، وبعد نكسة عام 1967 ساهم في تشكيل فرقة المسرح الوطني الفلسطيني التي قدّمت عروضاً كثيرة على مسارح العواصم العربية، وفي العام 1968 قدمت له وزارة الثقافة منحة دراسية في الاتحاد السوفيتي في المعهد العالي للسينما في موسكو، ونال شهادة الماجستير في الفن عام 1973 وفي العام 2020 نظم مسابقة للقصة القصيرة للشباب دون سن الثلاثين عاماً إيماناً منه بقدرات الشباب وأهمية خلق فرص للموهوبين.