الإعلامي أحمد طنيش – المغرب
المصدر: نشر هذا العموم بمجلة الهدف الفلسطينية التي تصدر من دمشق، العدد (1547/73)، وقد أخد الإذن لنشره بـ MA5TV الثقافية.
يُعتبر جيل الستينيات والسبعينيات بالمغرب، الجيل القنطرة، الذي عبر من مرحلة ما قبل جدار برلين وعاش سقوطه وظهور معالم العالم الجديد ما بعد الجدار، وهو الجيل الذي قاد المجايلات التي تلته وأثر فيها كما تأثر هو بأدب المرحلة، درس هذا الجيل رواية “رجال في الشمس” “وعائد إلى حيفا” وغيرها، لغسان كنفاني، في مراحل التعليم الثانوي والجامعي، وكان تأثير أدبه واضحاً على هذا الجيل، خاصة أولئك الذين مارسوا فيما بعد السياسة، وكان الأثر عميقًا ومتعدد الأبعاد في تقاطعات فكرية ونضالية وأدبية، لأن أدب غسان لم يكن مجرد إنتاج إبداعي، بل كان يحمل رؤية قومية ثورية، وجد فيه جيل الستينيات والسبعينات في المغرب، وخاصة المناضلين اليساريين والقوميين، مرآةً تعكس همومهم المشتركة في الدفاع عن القضية الفلسطينية ومواجهة الاستعمار والصهيونية والإمبريالية، وفي دعم حركات التحرر العربي، وهي قضايا كانت حاضرة بقوة في وجدان النخب السياسية المغربية آنذاك باعتباره التزاماً ثورياً، لكون العديد من السياسيين المغاربة الذين ظهروا في الستينيات والسبعينات تأثروا بنموذج “المثقف العضوي” الذي جسّده كنفاني، كمثقف مناضل لا منعزل ومنخرط لا محايد، ناضل الرجل من داخل القضية وساهم في حراكها بالقلم وغيره، ورسّخ مفهوماً لأدب المقاومة كأداة تحريض وتعبئة، وهو ما ألهم نشطاء سياسيين مغاربة رأوا في الأدب عموماً شكلاً من أشكال الفعل السياسي فأدى تأثير أدب غسان ومجايلته إلى شيوع نوع من الأدب المغربي الذي يمزج بين السرد والالتزام السياسي، كما في بعض كتابات أدباء كبار مثل محمد برادة، وعبد الكريم غلاب، ومحمد الأشعري، واللائحة طويلة. كما ترك حراك غسان أثرًا في الصحافة الحزبية المغربية، التي كانت تنشر نصوصًا متأثرة بأدبه، سواء في نبرتها أو قضاياها أو رموزها أو ترافعها، فكان معظم ممارسي الإعلام ثُلّة تشبه ثُلّة التحرير لغسان كنفاني وتجاربه الإعلامية.
كثيرة هي الأحزاب اليسارية في المغرب كان مناضلوها منفيين، وكلهم ذاقوا تجربة زمن الرصاص والاعتقال، واغتيال رموزهم “عمر بن جلون نموذجًا” وقد اعتبرت كل هذه الأحزاب اليسارية بالتحديد القضية الفلسطينية مركزية، وكأن كنفاني كان يُكتب باسمهم وبذلك كانت رواياته مثل “رجال في الشمس” و“عائد إلى حيفا” وغيرها محفزًا لهم للمقاومة والنضال، وحينما اُغتيل غسان كنفاني سنة 1972 من قبل الموساد، أتت رمزيته كشاهد شهيد، فتحوّل الرجل إلى رمز نضالي خالد لدى الأوساط السياسية المغربية، لا سيما اليسارية منها، وأصبح رمزًا للشهادة في سبيل القضية، مما زاد من شعبيته وتأثيره في الوعي السياسي الجمعي، ولم يبقَ مجرد كاتب فلسطيني فقط بالنسبة لسياسيي المغرب الستيني والسبعيني، بل كان قدوة فكرية ونضالية، وعنوانًا وشاهد مرحلة أسهم بأدبه في تشكيل رؤية سياسية، وصياغة خطاب ثوري، لعدة قادة سياسيين بالمغرب، وهو إلى جانب ذلك ودون أدنى شك أحد الجسور الثقافية التي وحّدت وجدان الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط.