MA5TV الثقافية
لحظة مع لكتاب “سادة البشر” تأليف : فيكتور كيرنان، ترجمة :معين الإمام، الناشر: منتدى العلاقات العربية والدولية، تاريخ النشر : 2017، فيكتور كيرنان (1913–2009) مؤرخ ومفكر ماركسي بريطاني، عُرف بكتاباته عن الاستعمار، التاريخ الإمبريالي، والتراث الثقافي الغربي. كان عضوًا في الحزب الشيوعي البريطاني ثم انسحب منه لاحقًا.
يرصد “كيرنان” في هذا العمل النقدي كيف بنت أوروبا خلال العصر الإمبريالي نظرتها المتعالية تجاه بقية شعوب العالم، مُسوّغةً سيطرتها الاستعمارية عبر ادّعاءات التفوق الأخلاقي والثقافي، مع توظيف تصورات مشوّهة وأحكام مسبقة أصبحت جزءًا من العقلية الأوروبية الحديثة.
يتميز الكتاب بأسلوبه التحليلي العميق واللغة البلاغية القوية، حيث يجمع بين السرد التاريخي والنقد الثقافي. وقد اعتبره المفكر إدوارد سعيد أحد أهم مصادر كتابه “الاستشراق”، مشيرًا إلى تأثيره الكبير في تطوير فهمه للعلاقات بين الشرق والغرب ويدور الكتاب حول 7 محاور:
1ـ تشكُّل العقلية الإمبريالية الأوروبية: يُبيّن “كيرنان” أن نظرة الأوروبيين للثقافات الأخرى لم تكن وليدة لحظة عابرة، بل نتيجة قرون من التراكم الثقافي والديني والاقتصادي، ويبدأ بتتبع بدايات الاحتكاك مع “الآخر” خلال عصر الاكتشافات الجغرافية (القرنين 15 و16)، حين واجه الأوروبيون شعوبًا لم يعرفوها من قبل، هذه اللقاءات لم تُفهم في سياق إنساني متكافئ، بل فُسرت ضمن ثنائية “المتحضر/البدائي”، “النقي/النجس”، مستندة إلى خلفيات دينية (مثل عقيدة الخلاص) وتصورات أخلاقية مسبقة.
النقطة الجوهرية: لم يكن “الآخر” يُرى كاختلاف، بل كـ”نقص” يجب إصلاحه أو السيطرة عليه.
2ـ آليات الخطاب التبريري للاستعمار: يُفكّك “كيرنان” الطرق التي استُخدمت لتبرير الغزو والهيمنة، مشيرًا إلى خطاب قوامه: الداروينية الاجتماعية: النظر إلى الشعوب الأخرى كـ”أقل تطورًا”، وبالتالي من “الطبيعي” أن تُخضع وتُدار من قبل “الأعلى تطورًا” تم عبء الرجل الأبيض (White Man’s Burden): فكرة أن الأوروبي مسؤول عن “تحضير” الآخرين ونقلهم من “الهمجية” إلى “التمدن”.
الرسالة التبشيرية: تحويل الدين المسيحي إلى أداة سياسية وثقافية لإعادة تشكيل وعي الشعوب الأخرى.
تحليل: هذا الخطاب لم يكن ساذجًا، بل مُنتجًا بشكل منهجي لإخفاء المصالح الاقتصادية والاستراتيجية وراء واجهات أخلاقية وإنسانية.
3ـ تمثيل الآخر بوصفه مرآة للذات الأوروبية: لا يقدّم “كيرنان” الآخر (الهندي، الصيني، العربي، الأفريقي…) كما هو، بل كـ”انعكاس” لما يريد الأوروبي أن يكونه: متحضرًا، عقلانيًا، نقيًا أخلاقيًا.
لذا نجد أن تصوير الثقافات الأخرى يركّز على صور الاستبداد، الغرابة، الشهوة، الفوضى، التخلف، لتبدو أوروبا نقيضًا لهذه السمات وهي مقاربة قريبة من تحليل إدوارد سعيد لاحقًا في “الاستشراق”، لكن “كيرنان” يسبق سعيد زمنًا ويستخدم أدوات التحليل التاريخي أكثر من الخطاب النقدي الأدبي.
4ـ نقد متوازن لسلبيات الثقافات الأخرى” لا يقع “كيرنان” في فخ الرومانسية تجاه الشعوب المستعمَرة، بل يُشير إلى بعض مظاهر القمع والاضطهاد في هذه المجتمعات، مثل:حرق الأرامل في الهند (السُوتّي).
الاستعباد الداخلي، أنظمة حكم مطلقة في بعض حضارات أمريكا اللاتينية ما قبل كولومبوس.
لكن يوضح أن هذه الممارسات لم تكن مبررًا لغزو أو استغلال الشعوب.
الأوروبيون أنفسهم مارسوا أشكالًا مماثلة من القسوة والاستغلال، لكنهم “طهروا” تاريخهم من النقد.
5ـ عنف الحداثة الأوروبية المقنَّع: يناقش “كيرنان” كيف أن أوروبا ادّعت أنها جلبت “الحداثة” و”التقدم”، لكنها في الواقع، جلبت تفكيكًا للأنظمة الاجتماعية المحلية وساهمت في تحويل الاقتصادات الزراعية إلى اقتصادات تبعية وتدمير اللغات والديانات المحلية لصالح نموذج ثقافي أوروبي واحد وزرع انقسامات طائفية وإثنية لضمان السيطرة (كما حدث في الهند ولبنان ونيجيريا) والنتيجة أن أوروبا بنت حداثتها على أنقاض عالم متعدّد، وادّعت أن ذلك “نقلة حضارية”.
6ـ الإرث المستمر للذهنية الإمبريالية: لا يقدّم “كيرنان” نقده كتاريخ مغلق، بل يربط بين ما حدث في القرن التاسع عشر وبين حاضر العلاقات الدولية ويرى أن النظرة الأوروبية للآخر لم تتغير جوهريًا، بل فقط تبدّلت في اللغة والشكل، يُقارن “كيرنان” بين الخطاب الاستعماري الكلاسيكي والخطاب الحديث عن “التنمية”، “الديمقراطية”، “حقوق الإنسان” التي تُستخدم اليوم بنفس الطريقة لتبرير التدخلات.
7ـ نقد للطبقة المثقفة الأوروبية: يُشير إلى أن كثيرًا من الكتّاب، العلماء، ورجال الدين الأوروبيين – حتى من اليسار – انخرطوا في إنتاج وترويج هذه الصور النمطية، من تم انتقد “كيرنان” المفكرين مثل هيغل وكينز وكارليل الذين كتبوا بازدراء عن الثقافات غير الغربية وحذّر من أن المعرفة الأكاديمية نفسها قد تكون أداة في خدمة الهيمنة.