مواضيع ذات صلة

محمود درويش سيرة المنفى والهوية والذاكرة

عتيقة الفحلي

تناولت الكثير من الأعمال الأكاديمية مجمل إنتاجات درويش، ونبرز في هذا المقال أطروحة الدكتوراه التي أعدها الباحث اللبناني مروان حرب بعنوان “محمود درويش، ضحية تبحث عن هوية”. أنجزت هذه الأطروحة في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية (INALCO) في فرنسا، ونوقشت في 14 ديسمبر 2018 وتُعد واحدة من أبرز الإسهامات الأكاديمية حول درويش، إذ تسلط الضوء على غنى إرثه الأدبي، وتتعمق في مواضيع: المنفى، الهوية، والذاكرة التي تشكل محور أعمال الشاعر الفلسطيني.
تسلط الأطروحة الضوء على التحول الأسلوبي عبر مراحل درويش الثلاث: من أيديولوجيا القومية (مرحلة الربط) إلى رحلته الشخصية (مرحلة الانفصال)، و توفر منهجًا يغوص في بنية الذات الدرويشية، ويشدّد على أن شعره ليس فقط تعبيرًا عن الوطن، بل عن تجربة الإنسان الفلسطيني كـ”وجود” عالمي.
كما تدمج أدبه وشعره ضمن القراءات النقدية لفلاسفة ناقشوا الهوية كـ أمين معلوف والطاهر بن جلون، إضافةً إلى إشارات إلى إدوارد سعيد، لتموضع درويش في سياق ما بعد الاستعمار ومقارنة بنماذج نقد المرحلة، ترصد هذه الأطروحة درويش وسيرته عبر المنفى والهوية والذاكرة:


1 ـ المنفى والاغتراب:
تعتبر نكبة 1948 حدثًا مؤثرًا في وعي ولاوعي درويش، مبكرًا منذ طفولته، وتحولت إلى محور وجداني في شعره؛ إذ يعد المنفى تجربة مصيرية حفرت في ذاته شعورًا دائمًا بالاغتراب والحنين إلى الوطن: حيث تعتبر عودته إلى وطنه تحقيقا للهوية، ولا يُنظر إلى المنفى فقط كفقدان مكاني، بل كفقدان لجزء من الذات الجماعية، وتحويل الشعر إلى مذكرة شخصية وجماعية للمقاومة. وعليه يجسد الضحية درويش صوت المُهجَّر والمُهمَّش، شعاره كيفية استرداد الهوية من خلال الشعر.
2 ـ الهوية: اللاجئ والإنسان:
ترتد الأطروحة إلى تفكيك مفهوم “هوية اللاجئ” الذي نحته الألم والتي تطوَّرت من هويّة وطنية ضائعة إلى هوية إنسانية كونية مشتركة تتجاوز الجغرافيا، تسعى لإعادة رسم الذات ضمن الإنسان العالمي، حيث يتحرر محمود درويش تدريجيًا من خطاب “نحن” القومي المباشر نحو خطاب “أنا” التأملي، خصوصًا في المرحلة ما بعد العام 1983، مثل دواوينه “لماذا تركت الحصان وحيدًا” (1995) و”سرير الغريبة” (1999) .
3 ـ الذاكرة كفضاء للحوار والمقاومة:
الذاكرة ليست فقط استحضارًا للماضي، بل أيضًا ساحة للصراع، هي فلسفة للذات والجماعة. من خلالها يؤسس درويش خطابًا مضادًا لصيغ الطمس، يستعيد صوت الضحية ويمنح العدو بُعدًا إنسانيًا للحوار.عبر الذاكرة، يبني درويش سرديته الشعرية كرد فعل ونص دفاعي عن الهوية الفلسطينية والمشترك الإنساني في آن واحد. فالذاكرة هي ذاكرة الجرح والعودة تُستخدم كأداة للنضال ولتأسيس خطاب وجودي في النص.
بهذا التعدد والتواجد، يعيش فينا درويش كما يعيش في القصيد وكما يعيش في الوجدان العربي..